الأربعاء، 30 مايو 2007

المكان البديل
مقتربات انسانيّة من مسرحية قصائد بدون شعراء
المسرح وسيلة للآفلات من الجنون والهامشيّة ومنطقة المروض.... باربا
صورة من العرض المسرحي
1


كم تبدو هذه المقولة حقيقية الان وأنا اعاين التبدل الهائل في لغة( صالح حسن فارس) قبل وبعد العرض، قبله كان يأتيني صالح في الرسائل كالبحر وصوته ثائراً في لهاتف.
في اخر رسالة كتبها لي قبل العرض يقول:" هل ثمة من يدعوني كي اسكب قلبي في كأسه أرى صوراً في الكأس أشباح تطاردني فأشربني واطارد نفسي، أو كم قبلة تكفيني كي اكتشف العالم " بعد العرض كان صوته في الهاتف طفوليا وفرحاً جداً لقد تنفس المسرحية اذاً،أو لنقل لقد حلق بيعداً ولو لفترة وجيزة عن هذه الكارثة التي تسمى الحياة الى المسرح .. المكان البديل للعيش ولو بشكل افتراضي .
العشق حين يصل الى درجة الهوس ينفلت من الابعاد الاربعة ليلامس حافة التصوف .
هكذا صرنا نفهم المسرح ، والا أي جنون هذا الذي يهئ عملاً مسرحيا كهذا العمل.

2
صارت تجربة توضيف القصيدة في المسرح خاصة العراقي غير جديدة حين صارت قوة الجملة الشعرية متنفساً للبوح المسرحي واحياناً وسيلة لمخاطبة عاطفة المتلقي بحيث ادى في العروض الى طغيان اللغة الشعرية على احد اهم عوامل المسرح (الفعل).. حتى ان بعض المسرحيات كانت عبارة عن قصائد يلقيها ممثلون مع بعض الاضافات التي لاتغير من جوهر العرض المسرحي في حين كان توضيف الشعر في عروض اخرى ناجحاً جداً حين يكون النص الشعري مطواعاً للدراما، أو حين استطاع بعض المخرجين وبشكل مبهر ان يحول الصورة الشعرية الغارقة في المخيلة الى فعل مسرحي يجسده الشكل والجسد والضوء والموسيقى والسينوغرافيا حتى ان التجريب كان يتطرف احيانا الى حدما يمكن تسميته "المسرحية- القصيدة" المكتظة بالرموز والتجريب الى حد ان اليات التلقي تشبه الى حد ما بيعد ذلك حين التعامل مع النص الشعري . حيث تكتفي بأعطاء بضعة ومضات عن طريق الايماء والرمز وتترك للمتلقي مهمة تفسير العمل حسب ثقافته واحيانا – وهذا مدهش- حسب ابداعه.
ونحن في كل ذلك نتحدث عن تجارب المسرح العراقي في السنوات العشر الاخيرة.
مسرحية "قصائد بدون شعراء" اعداد عن قصائد للشاعر اليمني عادل البروي وتمثيل سلمان رحيم وصالح حسن فارس واخراج صالح حسن فارس على قاعة اتحاد الادباء في صنعاء بتاريخ
3
الوسط القصيدة تساير الفعل "طبعاً لانقصد بالفعل هنا المفهوم اليوناني الكلاسيكي بل مايمكن ان نعبر عنه بالمفاصل أو الزوايا التي ينعطف عندها سير العرض"
اذا كانت هناك مفاصل واضحة لفعل مسرحي مُرمز وبحيث لم تغب الثيمة الاساسية للعرض وهي موت الشاعر عن جو العرض المسرحي بطولة رغم انها ولدت ثيمات اخرى تدور في فلك "الموت الشعري" مثل ( الحب الممنوع، الخيبة، العجز امام الموت والحرب) انها اشبه بلعبة الدومينو.. الحركة الاولى التي تتهادى بعدها بقية الاحجارن أوكرة الثلج التي تنحدر نحو اسفل الجبل وهي تكبر .. تكبر بحيث تصل الى الوادي وهي في اكبر حجمها ربما لهذا كانت الثيمة التي انتهت المسرحية عندها هي ثيمة الحرب.. تلك هي اذا لعنة التداعيات.
الجملة الشعرية بسيطة.. عذبة.. وبعيدة عن الغموض غير المبرر أو التسطيح الفج لم تحس بانها مقحمة على النص أو لاتؤدي وظيفة اخرى غير شاعريتها.. بل كانت تنقل الفعل المسرحي بصورة هادئة ومتفجرة في نفس الوقت خذ مثلا اعلان موت الشاعر
"نبأ رحيلك احال المساء ثقيلا جداً " أو كم أبدو في صنعاء كشفاه تبحث في جرم الليل عن النهدين" أوحين تضيق البلاد تتسع الورقة" الخ
4
ان اصرار هولاء الصعاليك على تحدي اللحظة بكل ثقلها وواقعيتها البغيضة ليستحق منا - على الاقل تقدير- ان نرفع ايدينا بالتلويح، انهم يعطون اللون للحظات مسروقة عنوة من الرتابة، وقديما قال"كافافي لشاعرشاب"ان القليل الذي فعلته لهو شئ كبير"
ولم يكن مافعله الصعاليك قليلا أبداً.
*محمد جمعة...شاعر عراقي-لندن

ليست هناك تعليقات:


نحت للفنان محمد عكله

نحت للفنان محمد عكله